دلع هوكشتاين وغارات نتنياهو
الإعلان في الكيان عن تأكيد زيارة المبعوث الأميركي أموس هوكشتاين إلى تل أبيب الأربعاء قادماً من بيروت، وتأكيد مسؤول أميركي لوكالة أكسيوس أن هوكشتاين سوف يصل بيروت قريباً، لا يمكن أن يلغيا حقيقة أن التشكيك في زيارة هوكشتاين جاء من واشنطن أيضاً، ولم يكن خطأ ارتكبه هواة، بل لعبة مارسها محترفون، ذلك أن وكالة أكسيوس هي نفسها التي نقلت الشك في حدوث الزيارة ونقلاً عن مسؤولين أميركيين أيضاً، قبل ساعتين ونصف من عودتها لتأكيد حدوث الزيارة. وقد شهدت الساعتان غارات إسرائيلية مكثفة وصلت إحداها إلى قلب العاصمة اللبنانية واستهداف منطقة زقاق البلاط بالتوازي مع عشرات الغارات في الجنوب والبقاع.
في الخامسة بعد الظهر نقلت أكسيوس، عن مسؤولين أميركيين، تأكيدهم ان “المبعوث الأميركي أموس هوكشتاين أبلغ رئيس مجلس النواب اللبناني نبيه بري تأجيل زيارته لبيروت لحين توضيح موقف لبنان من اتفاق التسوية”. وأكد المسؤولون أن “الكرة في ملعب الجانب اللبناني ونريد إجابات من لبنان قبل مغادرة هوكشتاين إلى بيروت”، ثم تحدّث نائب رئيس مجلس النواب الياس بوصعب في الخامسة وخمس وأربعين دقيقة إلى قناة سي ان ان، مخففاً من منسوب التشاؤم الذي تسبّب به الخبر لكنه لم ينف وجود التريث في توجّه هوكشتاين إلى بيروت، فقال إن “المبعوث الأميركي أموس هوكشتاين لا يسعى إلى زيارة فاشلة إلى لبنان، بل يهدف إلى المجيء بهدف إبرام تسوية”، مشيرًا إلى أنه “حتى الساعات الماضية لم يتم تحديد أي موعد رسمي لزيارة هوكشتاين إلى بيروت”.
في الثامنة وخمس وأربعين دقيقة انجلى غبار التشكيك بتصريح لرئيس مجلس النواب نبيه بري، نقلته صحيفة الشرق الأوسط فقال إن زيارة المبعوث الأميركي أموس هوكشتاين إلى بيروت في موعدها الثلاثاء، مستغرباً كل ما أشيع عن إلغائها وتسبّب في تبديد التفاؤل الذي ساد الأجواء الإيجابية التي يبنى عليها لتقديم الحل السياسي على الخيار العسكري، لكن قبل حديث بري بساعة، أشارت القناة الـ12 الإسرائيلية، الى أن المبعوث الأميركي أموس هوكشتاين سيغادر إلى بيروت عقب حصوله على توضيحات من الجانب اللبناني تسمح بالتوصل لتسوية.
الواضح أن هناك رسالة مدروسة وراء هذا التذبذب في المعلومات حول زيارة المبعوث الأميركي. فمن جهة هناك تراجع في منسوب القدرة الاإسرائيلية على لعب أوراق القوة، ولم يتأخر صاروخ تل أبيب كثيراً حتى وضع معادلة بيروت مقابل تل أبيب، وأن التمادي في طلبات من نوع حرية العمل في الأجواء والأراضي والمياه اللبنانية، أي وضع لبنان تحت الانتداب الأمني لجيش الاحتلال وإنهاء وجوده كدولة سياديّة، لا يملك النصاب العسكري اللازم لإبقائه على الطاولة، لكن الموازين لم تصل بعد إلى حد فرض التسليم الإسرائيلي بالعودة إلى القرار 1701، حيث الحصول على منطقة جنوب الليطاني خالية من الأسلحة الثقيلة للمقاومة، باعتبار بقاء أبناء القرى في قراهم وسلاحهم معهم، وهم المقاومة وحزب الله وحركة أمل، يقابله بقاء المستوطنين وسلاحهم، له ثمن في القرار 1701 هو التخلي عن المكاسب الاستراتيجية التي حققها الاحتلال عبر الاحتفاظ بسيطرته على الأجواء اللبنانية والبقاء في أراضٍ لبنانية تحت الاحتلال مثل مزارع شبعا، لها قيمة استراتيجية في قرار الحرب والسلم، كما هو حال السيطرة على الأجواء.
“دلع هوكشتاين” وغارات نتنياهو بوظيفة واحدة، هي القول إن الجواب اللبناني على مسودة أموس هوكشتاين ورون ديرمر وزير الشؤون الاستراتيجية في كيان الاحتلال، لم يعجب الأميركي والإسرائيلي، وأن الضغط لمحاولة فرض تعديل على الموقف اللبناني يجري عبر طريقين، الأول تصعيد الضربات النارية لجيش الاحتلال وصولاً إلى استهداف العاصمة لثلاث مرات في ست وثلاثين ساعة، والثاني التلويح بتعليق مهمة هوكشتاين دون إلغائها، للقول للبنانيين إن فشلت مهمة هوكشتاين انتم تتحملون المسؤولية وعندها عليكم أن تنتظروا مزيداً من النيران الإسرائيلية، وقد اختبر لبنان مراراً هذا النموذج، ولذلك كان الرد بالتمسك بالرد اللبناني، متوازياً ومتزامناً مع استهداف المقاومة لقلب عاصمة الكيان تل أبيب.
التفاوض تحت النار سوف يتواصل، والتجاذب والتلويح بإلغاء مهمة هوكشتاين سنسمع به مرة ثانية، لكن في النهاية الميدان وحده ما يرسم المعادلات.