طبيعة حرب اليوم ومساراتها الاستراتيجية
بلغت الحرب «الإسرائيلية» على لبنان، مع استشهاد السيد حسن نصر الله مرحلة جديدة من العدوان «الإسرائيلي» القائم على خلفيات ودوافع ميدانية تخطت في أبعادها «الإسرائيلية»، ما بات يُعرف بـ «بنك الأهداف»، إلى عناوين مختلفة دغدغت في مجمل مراحلها دموية «إسرائيل» كما نفس كيانها الاحتلالي الذي أراد تنفيذ أجندات ومشاريع تهجير ممنهجة، تحت مسمّى (عودة مستوطني الشمال، وضمان أمن إسرائيل) في حين عكست بيانات الاحتلال المطالبة في إخلاء القرى الحدودية، حالات من التكامل الاستراتيجي مع نزعة الاحتلال ومخططاته الاستيطانية التي تحدثت عنها قنوات ومواقع عبرية من بينها على سبيل المثال ما تضمّنته صحيفة «هآرتس» الإسرائيلية، حين عرضت مقالين تناولا بالتحليل ما دار في مؤتمر نظمته حركة يمينية متطرفة في 17/6/2024 تدعو من خلاله إلى إقامة مستوطنات في «مناطق جنوب لبنان»، يضاف على ما تقدَّم، الكثير من التصريحات والإعلانات التي وصلت إلى حدّ تأكيد حركة الاستيطان أنّ «إسرائيل» على بعد قرار استراتيجي واحد من هذا الحلم، وأضافت (لنواصل قضم جنوب لبنان ومنع سكانه من العودة).
يأتي هذا الموقف في سياق البعد الاستعماري الاحتلالي الذي قام عليه وما زال كيان الاحتلال «الإسرائيلي»، أيضاً في سياق مشروع الشرق الأوسط الجديد القائم على ما يبدو على أفكار توسّعية تسمح «أميركياً» بتكريس واقع احتلالي جديد في «جنوب لبنان»، وهذا يتضمّن علامات استفهام كبرى وعديدة تبدأ بالدور السياسي الذي قام به وما زال المبعوث الأميركي إلى لبنان والمنطقة آموس هوكشتاين ولا تنتهي عند أدوار المجموعة الدولية التي أخذت على عاتقها حماية «إسرائيل»، بدايةً من الولايات المتحدة الأميركية، وصولاً إلى كلّ من بريطانيا وفرنسا وألمانيا، كما غيرها من الدول الغربية الفاعلة والمؤثرة.
ما تقدّم، يقابله في المقلب الآخر، جهوزية فكرية نابعة من ثقافة تحرير، فرضتها شرعية مقاومة فلسطينية في الدرجة الأولى وأيضاً لبنانية، لأمر واقع احتلالي لم تقدّم القوى الدولية على مساره الزمني أيّ جهد دبلوماسي، أو حتى سياسي، يمكن أن تصل من خلاله جملة المحاولات إلى ملامسة أطراف الضغط لتنفيذ حدّ أدنى من قرارات الأمم المتحدة الصادرة في حق «إسرائيل» المسار الملتبس الذي ساهم في إحياء معادلتين الأولى تتمثّل في فقدان الثقة، الثانية في اعتماد الخيار العسكري، ولعلّ الخطاب الغربي، الذي عكسته ألمانيا على لسان وزيرة خارجيتها أنالينا بيربوك، التي اعتبرت من خلاله (أمن إسرائيل من أمن ألمانيا) واستكمله المستشار الألماني أولاف شولتز حين أكّد على «توفير الدعم العسكري لإسرائيل» وأضاف (يمكنها أي إسرائيل الاعتماد دائماً على ذالك)، خير دليل على صوابية الموقف المقاوم في الدرجة الأولى، وأيضاً على خيار المواجهة في لحظة وجودية فرضها وما زال العالم الصديق لكيان الاحتلال «الإسرائيلي»، العالم الداعم لتجاوزات الكيان العسكرية، ذات الطابع الدموي والنفس الإجرامي الذي تمّ التغاضي عنه مع جملة قرارات أممية شكلية بالنسبة لـ «إسرائيل»، تحت سقف الشرعية الأميركية و»ازدواجية المقاربة» التي تميِّز بها ومن خلالها الولايات المتحدة الأميركية «إسرائيل»، عن غيرها من دول العالم الحليفة والصديقة.
في سياقٍ متَّصل أكّدت جملة التطورات المتلاحقة على الساحة الإقليمية، حقائق عدوانية كاملة، لا بل متكاملة بمجمل أوصافها السياسية وأبعادها الاستراتيجية، التي تحاكي من حيث المصلحة السياسية كما الالتزام أولوية دولية واحدة عمادها الأوّل والأخير ضمان أمن «إسرائيل»، بالتالي هل تحاول القوى الدولية مشتركة، بشكل مباشر وغير مباشر، العمل على تمرير واقع احتلالي لـ جنوب لبنان تنفذه «إسرائيل» وتضمن من خلاله الولايات المتحدة الأميركية تنفيذ البند الأول في مشروعها (الشرق الأوسط الجديد).
انطلاقاً من ما تقدَّم تعيش المنطقة اليوم جملة المفاعيل الميدانية المترتبة سياسياً عسكرياً وحتى اقتصادياً على مشروعين: الأول ذات طابع (احتلالي)، تديره «إسرائيل»، وتتحكم به إلى أقصى حدّ الولايات المتحدة الأميركية، والثاني قائم على مبدأ تحرير الأرض واسترجاع الحقوق، تقوده بشكل مباشر حركات المقاومة، في لبنان وفلسطين وسورية والعراق واليمن، وتتحكم به إرادات الشعوب في الدرجة الأولى، يضاف إلى ذلك، حق الوطن كما الجغرافيا على أبنائه، انطلاقاً من هوية المنطقة، من سجلاتها السياسية وتاريخها التسلسلي القديم والحديث.
تشهد الساحتان اللبنانية والفلسطينية، تنفيذ الجزء العسكري من «صفقة القرن الأميركية»، العنوان الأول في صياغة «الشرق الأوسط الجديد»، الذي تحاول الولايات المتحدة الأميركية تمريره للمرة الثانية من «بوابة لبنان الجنوبية» بعد فشل فرضه سابقاً في حرب تموز 2006، بالتالي هل ينجح كيان الاحتلال، بـ تشكيلاته الحكومية الجديدة، في ما يُسمّى الاستثمار الميداني بخطوط حمر لبنانية، أحد أبرز عناوينها «الحرب الأهلية».
لبنان في خضمّ معركة استثنائية على عدة محاور، أحد أبرز أهدافها المعلنة، «تغيير خريطة الشرق الأوسط»، كما أعلن سابقاً رئيس وزراء الكيان بنيامين نتنياهو، بالتالي طبيعة حرب اليوم تطرح ضمن مساراتها الاستراتيجية جوانب عديدة في مقدمتها التهجير الممنهج، في كلّ من فلسطين (غزة) ولبنان، تمهيداً للقضم الاستراتيجي والتوطين، ثانياً «تهديد الأمن الداخلي» للدول الشرق أوسطية التي تشملها عبارة بنيامين نتنياهو، ولبنان جزء لا يتحزأ من هذا التهديد الذي يفرض أعلى معايير الوحدة والتماسك، لتحصين الساحة الداخلية، وتفويت فرصة الاستثمار الإسرائيلي بأمن لبنان الداخلي تحت أي تسمية، وتحديداً الحرب الأهلية!