لترامب أولويتان وهاجس: شخصه وأميركا و… إيران؟
مع تتابُع تسميات دونالد ترامب لكبار المسؤولين المرشحين لملء مراكز إدارته المقبلة، تتزايد التحليلات والتكهنات حول عمّا ستكون عليه سياساته في قابل الأيام والأعوام.
ما يُقال ويُنشر في هذا الصدد لا يعدو كونه مجرد تخمينات وتكهنات لأنّ لكلّ زمان دولة ورجالاً، وزمان ترامب ما زال في مطلعه. مع ذلك، بإمكان المراقب المتتبّع ترجيح أن تكون للرئيس اللغز، في ضوء تصريحاته وتوقعات أقرب معاونيه، بعض المواقف والأولويات، لا سيما ما يتعلّق منها بالأمور والقضايا الجلل التي تواجهه في هذه الآونة.
أهمّ هذه الأمور والقضايا شخصه بطبيعة الحال. ذلك أنّ شخصه من حيث الرغائب والتمنيات والأهداف والنجاحات التي يريدها أن تتحقق في ولايته الراهنة والأخيرة التي لا يمكن تجديدها هو أولويّته الأثيرة. هــذه الأولويّــة هي الشرط الأساس، في نظره، لتحقيق أولويّته الثانية المتمثّلة بشعاره المعروف: «لنجعل أميركا عظيمة مجدداً». أما هاجسه فهو إيران من حيث هي تحدٍّ في ذاتها ومشكلة من حيث علاقاتها ونفوذها لدى حلفائها في لبنان وفلسطين والعراق واليمن الذين يلتزمون مقاومةً ضارية ضد «إسرائيل».
لأنّ فلسطين، شعباً ووطناً ومصيراً، هي قضية المقاومين والنهضويين العرب من المحيط إلى الخليج، فمن الطبيعي أن يكونوا معنيين بالدرجة الأولى في هذه الآونة بما يمكن أن تكون عليه سياسة ترامب إزاء إيران بما هي أقوى وأبرز الدول الإقليمية التي تدعم حركات المقاومة في عالم العرب ضد العدو الصهيوني. في هذا المجال، تتضح الواقعات والتطوّرات والتحوّلات الآتية:
أولاً: توسيع مساحة «إسرائيل»
كان ترامب أشار في أحد مؤتمراته الصحافيّة خلال الانتخابات الرئاسية الى ضآلة مساحة «إسرائيل» ما فسّره مراقبون بأنه مؤشر لتأييد ترامب مساعي بنيامين نتنياهو وحلفائه اليمينيين المتطرفين الهادفة إلى ضمّ جميع مناطق فلسطين الى «إسرائيل» وفرض سيادتها عليها.
ثانياً: إنهاء الحرب في غزة ولبنان قبل تنصيب ترامب رئيساً
كان الرئيس الأميركي المنتخب نصح نتنياهو بأن يُنهي حربه في قطاع غزة ولبنان قبل تنصيبه رسمياً رئيساً للولايات المتحدة في العشرين من كانون الثاني/ يناير المقبل ما فسّره بعض المراقبين بأنه مؤشر الى وجود مخطط لدى ترامب قد يتفق أو يتعارض قليلاً أو كثيراً مع مطامع نتنياهو وحلفائه، وأنّ إنهاء الحرب قبل حفل التنصيب من شأنه تليين المعوّقات أمام مخططه.
ثالثاً: متصهينون معروفون في إدارة ترامب
اتضح من خلفيات الأشخاص الذين سمّاهم ترامب لملء المراكز الأساسية في إدارته أنهم صهاينة الهوى أو معروفون بتأييدهم العلني لـِ «إسرائيل» ومطامعها التوسعية، لا سيما اللواتي والذين سيشغلون المراكز المفتاحية الآتية: مديرة شؤون البيت الأبيض، وزير الخارجية، وزير الدفاع، ممثلة أميركا في الأمم المتحدة ومجلس الأمن، وسفير أميركا في «إسرائيل».
رابعاً: مقترح أميركا لوقف إطلاق النار
ثبت أنّ المقترح الذي تقدّمت به الولايات المتحدة إلى لبنان بشأن وقف إطلاق النار قد صاغت بنوده وشروطه «إسرائيل» وتبنّتها واشنطن، أهمّها حظر السلاح ومنع حزب الله من التمركز جنوب نهر الليطاني وتمركز الجيش اللبناني وحده مع قوات حفظ السلام الدولية «اليونيفيل»؛ منع حزب الله من إعادة بناء وضعيّته العسكرية؛ قفل الحدود بين لبنان وسورية لمنع نقل السلاح إلى حزب الله؛ منح «إسرائيل» الحق في التدخل براً وجواً في حال خرق اتفاق وقف إطلاق النار لضرب أيّ هدف لحزب الله يهدّد أمنها، وهي شروط تشكّل في معظمها مساساً بسيادة لبنان.
خامساً: لقاء إيلون ماسك وسفير إيران لدى الأمم المتحدة
كشفت صحيفة «نيويورك تايمز» أنّ الملياردير إيلون ماسك، مستشار ترامب ورئيس «لجنة كفاءة الحكومة» التقى سفير إيران لدى الامم المتحدة أمير سعيد إيرواني في موقع سري لمدة ساعة، وأنّ مسؤولَين إيرانيين قالا للصحيفة إنّ الاجتماع كان لمناقشة كيفية نزع فتيل التوتر بين إيران والولايات المتحدة، وأنه كان إيجابياً. وزير خارجية إيران عباس عرقجي نفى نفياً قاطعاً حصول الاجتماع المذكور.
رافقت الواقعات والتحوّلات الآنفة الذكر تطورات لافتة أبرزها نجاح حزب الله في توسيع دائرة ضربه للكيان الصهيوني وصولاً إلى قصف مقرّ وزارة الحرب ورئاسة أركان الجيش في قلب تل أبيب، وقيام «إسرائيل» بالردّ بقصف مبانٍ ومساكن مدنية في ضاحية بيروت الجنوبية من جهة، ومن جهة ثانية توسيع تدميرها جسور المعابر بين لبنان وسورية بدعوى منع نقل السلاح إلى حزب الله.
أخيراً وليس آخراً، تردّدت سيناريوات متعدّدة سرّبتها صحف ووسائل إعلامية موالية لواشنطن حول وجود خطة لترامب تقضي بتمكين «إسرائيل» من ضمّ مناطق من فلسطين المحتلة إلى كيانها، ودعمها عسكرياً لتصبح الدولة الأقوى في منطقة غرب آسيا، على أن يترافق ذلك مع إعادة إحياء الاتفاق النووي بين أميركا وإيران الذي كان ترامب قد سحب بلاده منه بعد انتخابه رئيساً سنة 2016.
لئن كان ترامب قد أعلن مراراً تصميمه على عدم شنّ حروب جديدة، وعزمه على إنهاء الحرب في أوكرانيا بالتفاهم مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وأنّ استحالة تجديد ولايته الحاليّة يغنيه عن استرضاء اليهود الأميركيين وحلفائهم لنيل أصواتهم في الانتخابات، فإنّ ذلك كله لا يغنيه كما لا يغني الدولة العميقة في الولايات المتحدة عن التمسك بـِ «إسرائيل» كأكبر وأقوى قاعدة عسكرية للدفاع عن مصالح أميركا ونفوذها في غرب آسيا. لذا سيثابر ترامب كأسلافه من الرؤساء الأميركيين على دعم الكيان الصهيوني في وجه أعدائه جميعاً.
قد يوافق ترامب على تمكين «إسرائيل» من قضم جزء من قطاع غزة أو «تشريع» ضمّها المستوطنات الصهيونية اليها في الضفة الغربية في إطار «صفقة متكاملة» قوامها دولة فلسطينية في ما تبقّى من الضفة الغربية، ولكن ليس قبل «إنهاء» أو «تعطيل» حلفاء المقاومة الفلسطينية في لبنان (حزب الله) وفي العراق (فصائل الحشد الشعبي) واليمن (أنصار الله الحوثيون) وليس أيضاً قبل تفاهمٍ بين واشنطن وطهران على إحياء الاتفاق النووي بغية حمل إيران على التخلّي عن سورية وحلفائها من تنظيمات المقاومة العربية المنخرطة في محور المقاومة. وقد لا يتورّع عن التضحية بصديقه نتنياهو الذي لا يريد إنهاء حربه على لبنان قبل حفل التنصيب في العشرين من كانون الثاني/ يناير المقبل.
أرى أنّ هذا السيناريو المتخيَّل الذي يقوم وكلاء ترامب بتسريب بعض تفاصيله لجسّ نبض الأطراف المرشحة للمشاركة فيه غير قابل للتحقيق والحياة. لماذا؟ لأن لا المقاومة الفلسطينية ولا حلفاءها في محور المقاومة سيكفّون عن مقاومة «إسرائيل» بشتى الوسائل وفي كلّ المناطق، ولأنّ إيران ليست، في تقديري، في وارد الانحناء للرئيس اللغز، المتقلّب، والساعي بلا هوادة الى «جعل أميركا عظيمة مجدّداً» على حساب العرب والمسلمين والملوّنين والمسحوقين.