الخطاب الذي أدلى به رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو للإعلان عن الموافقة على وقف إطلاق النار هو في الحقيقة البيان السياسي الجدير بالنقاش بعد أربعة عشر شهراً من مبادرة حزب الله إلى فتح جبهة الإسناد لغزة من الحدود اللبنانية، التي ردّ عليها نتنياهو قبل سبعين يوماً بإعلان حرب شاملة على لبنان مستخدماً فيها كل ما لدى الكيان وحلفائه في الغرب والمنطقة لإلحاق ضربة قاتلة بالمقاومة عبر تصفية الحزب الذي يشكل قلبها وجسدها وروحها، وصولاً إلى النجاح باغتيال الأمين العام لحزب الله قائد هذه المقاومة ورمزها، مع مجموعة ضربات واغتيالات أصابت بيئة الحزب وبنيته بالآلاف بين شهداء وجرحى، بينهم قادة كبار.

– توجّه نتنياهو إلى سكان مستوطنات الشمال بلغة الفخر بصمودهم، وهو يكذب لأنهم لم يصمدوا كما توقع بن غوريون يوم صمّمت مستوطنات الشمال لتكون قوة مقاتلة، ودعا المستوطنين للعودة لأن الحرب وفّرت لهم الأمن للعودة. وهو يكذب أيضاً لأنه تحدّث في خطابه عن ميزات للاتفاق تجعله جيداً، بقوله إن الاتفاق الجيد هو الذي يمكن تطبيقه. وهذا الاتفاق نحن سوف نطبّقه بأيدينا، لأننا سنلاحق ونتحرّك بوجه كل محاولة للتسلح من جانب حزب الله وكل محاولة لإعادة بناء بنية تحتية له. وهو يعلم وفق خبرة ما بين حربي تموز 2006 وتشرين الأول 2023 أن ما واجهه في هذه الحرب كان أضعاف ما كان في حرب ما قبل 18 عاماً، والوعد بالتصدّي والمواجهة هو وعد بعدم الاستقرار، فكيف سوف يصدقه المستوطنون ويعودون، وهم أجابوا سلفاً بأنهم لن يعودوا لأن مناطقهم لن تكون آمنة ما دام الجيش قد فشل بالقضاء على قوة حزب الله ووقف إطلاق النار هو علامة هذا الفشل.

– قال نتنياهو إن حكومته وجيشه قاتلا وربحا حربهما على سبع جبهات، ولذلك فإن العالم فخور بإنجازاته، وهو يكذب مجدداً، فلنناقش الإنجازات ونناقش فخر العالم بها. يبدأ من غزة بالقول قتلنا قادة. وهذا صحيح، لكنه تقليدي وعادي في سيرة المواجهة بين المقاومة والاحتلال، والعادي والتقليدي أيضاً أنه لا يؤثر في أداء المقاومة، وها هي غزة تقول في الميدان إن استشهاد القادة لم يؤثر في خط العمليات البياني، فأين هو الإنجاز؟ ثم يقول استعدنا رهائن، وهو يعلم أن مَن استعادهم فقد فعل ذلك بالتفاوض وليس بالقوة ليحسبه بين الإنجازات، وهو بفضل اللجوء إلى القوة تسبب بقتل العديد من أسراه، ويحسب من إنجازاته أنه استهدف الحديدة في جبهة اليمن وأنه ينسق مع الائتلاف الدولي بوجه اليمن، لكنه يهرب من الاعتراف أن كل ذلك لم ينجح بضمان عبور آمن لسفينة واحدة نحو ميناء إيلات المقفل بفضل الحصار الذي فرضه اليمن، وأن حاملات الطائرات الأميركية ومعها السفن الحربية تتلقى الضربات، فاين الإنجازات؟ ومثلها في لبنان يتحدّث عن قتل القادة، وهذا صحيح مثل فلسطين، ودمّر الصواريخ، لكن السؤال هل قال الميدان سواء في الحرب البرية أو في استهداف عمق الكيان بنيران المقاومة إنه كان إنجازاً وليس المهم كم دمّر من الصواريخ، بل المهم هل بقي منها ما يكفي لمواصلة الحرب وإلحاق الأذى بالاحتلال والتسبّب بنزول ملايين المستوطنين إلى الملاجئ حتى يقبل الكيان بوقف النار؟ فأين هو الإنجاز؟ وينتقل إلى إيران ويقول إنه دمّر دفاعاتها، وما رآه العالم كان ضربة إيرانية مؤلمة لكيانه مقابل عدوان غامض مجهول الأثر ومحدود القيمة. ثم في سورية يتحدّث عن عمل منهجيّ لإحباط نقل الأسلحة، وهو استمرار لما بدأ منذ سنوات ورأينا نتيجته في الميدان أسلحة حديثة ومتطورة تطال عمق الكيان وتتسبّب له بالوجع، والحصيلة هي أن إنجازات حرب نتنياهو محصورة بتدمير المباني وقتل الأطفال والنساء وتجويع المدنيين، فهل هذه هي الإنجازات التي قال إنها جعلت العالم فخوراً بما أنجز؟ وهل يعتقد أن مذكرة التوقيف الصادرة بحقه كمجرم حرب عن المحكمة الجنائية الدولية هي جائزة نوبل قد حصل عليها؟ وهل تعبير العالم عن هذا الفخر هو بإعلان كل دول أوروبا الصديقة لكيانه عن استعدادها لتسليمه للمحكمة بعد اعتقاله؟

– يقول نتنياهو إن مبرراته لقبول وقف النار هي ثلاثة، الأول هو التفرّغ لمواجهة إيران، والثاني هو الحاجة لإعادة تأهيل القوات وإعادة تسليح الجيش، والثالث هو فك ارتباط جبهة غزة بجبهة لبنان. وإذا انطلقنا من السبب الثاني وهو الأكثر صدقاً ودقة، فالسؤال هل يستوي الحديث عن جيش يحتاج إلى إعادة تأهيل وإعادة تسليح مع الحديث عن الذهاب إلى حرب على إيران أو تصعيد الحرب على غزة؟ وهل ما تحتاجه غزة هو الإشغال الناري من جبهة لبنان، وقد أدى مهمته طوال شهور ماضية، وأثبتت غزة أنها قادرة عسكرياً على المضي قدماً في مقاومتها، وجيش الاحتلال يحتاج إلى إعادة تأهيل وإعادة تسليح، بينما وقف جبهة لبنان سوف يُعيد الضوء على جرائم الاحتلال في غزة ويستعيد زخم الشارع العالمي لدعمها، وأمامه سابقة وقف النار في لبنان، للسؤال ولماذا لا يقف إطلاق النار في غزة، ونتنياهو يعلم أن مساندي الحرب على لبنان في الرأي العام في الكيان شكلوا الإغراء الرئيسيّ لقرار نتنياهو بتصعيد الحرب على لبنان وحزب الله، مقابل شارع غاضب وصلت آخر تظاهراته منتصف تموز إلى نصف مليون يطلبون إنجاز صفقة مع غزة، حجبتها حرب لبنان، وسوف يعود هذا الشارع إلى الواجهة مع وقف هذه الحرب في لبنان؟ وهل نقص التسليح وضعف التأهيل يمنعان مواصلة الحرب على لبنان ويمكن بجيش متهالك بلا سلاح وذخائر خوض الحرب على إيران؟

– تباهى نتنياهو كثيراً بما أسماه حرية العمل بضمان أميركي، لمنع حزب الله من إعادة التسلّح وبناء قوته، فهل كانت أميركا تمنعه من ذلك ما بين حربي 2006 و2023 أم ما كان يمنعه ما كان يقوله كل محللي الكيان وخبرائه عن الردع، والمقصود إرادة المقاومة وقدرتها على الردّ؟ وهل هذا يتغير مع وقف النار، والمقاومة ستبدأ معادلتها بالسؤال، متى الانسحاب من الجزء اللبناني من بلدة الغجر؟ ثم ماذا عن النقاط المتحفظ عليها؟ وماذا عن مزارع شبعا المنصوص عليها في القرار 1701، وصولاً لوقف الانتهاكات الجوية والبحرية، وكلها أعمال عدائية وحربية وخروق لوقف النار تمنح المقاومة حق الدفاع المنصوص عليه في الاتفاق المستند أصلاً إلى القرار 1701، وأبسط ما سوف تفعله المقاومة سوف يكون إرسال طائراتها المسيّرة في أجواء فلسطين المحتلة في طلعات استطلاعية رداً على كل طلعة طيران في أجواء لبنان، والمعادلة الثانية هي دون انسحاب شامل إلى خط الهدنة المثبت عام 1949 لا انسحاب شاملاً إلى ما وراء الليطاني.

– المقاومة رغم كل ما تلقته من ضربات استطاعت أن تجبر الكيان على قبول وقف إطلاق النار أو الأصح طلب وقف إطلاق النار، لأن جيشه متهالك يحتاج إلى إعادة تأهيل ويعاني تراجعاً كبيراً في قدراته التسليحية وفي الذخائر، أي أنها أمسكت برسن هذا الوحش وأعادته إلى الحظيرة، كما سبق ووعد الأمين العام لحزب الله الشيخ نعيم قاسم.

قد يعجبك أيضًا

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *